فصل: وفاة عبد الملك وبيعة الوليد.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.البيعة للوليد بالعهد.

وكان عبد الملك يروم خلع أخيه عبد العزيز من ولاية العهد والبيعة لابنه الوليد وكان قبيصة ينهاه عن ذلك ويقول: لعل الموت يأتيه وتدفع العار عن نفسك وجاءه روح بن زنباع ليلة وكان عنده عظيما ففاوضه في ذلك فقال: لو فعلته ما انتضج فيه عنزان فقال: نصلح إن شاء الله وأقام روح عنده ودخل عليهما قبيصة بن ذؤيب من جنح الليل وهما نائمان وكان لا يحجب عنه وإليه الخاتم والسكة فأخبره بموت عبد العزيز أخيه فقال روح: كفانا الله ما نريد ثم ضم مصر إلى ابنه عبد الله بن عبد الملك وولاه عليها ويقال: إن الحجاج كتب إلى عبد الملك يزين له بيعة الوليد فكتب إلى عبد العزيز إني رأيت أن يصير الأمر إلى ابن أخيك فكتب له أن تجعل الأمر له من بيعة فكتب له إني أرى في أبي بكر ما ترى في الوليد فكتب له عبد الملك أن يحمل خراج مصر فكتب إليه عبد العزيز إني وإياك يا أمير المؤمنين قد أشرفنا على عمر أهل بيتنا ولا ندري أينا يأتيه الموت فلا تفسد على بقية عمري فرق له عبد الملك وتركه ولما بلغ الخبر بموت عبد العزيز عبد الملك أمر الناس بالبيعة لابنه الوليد وسليمان وكتب بالبيعة لهما إلى البلدان وكان على المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي فدعا الناس إلى البيعة فأجابوا وأبى سعيد بن المسيب فضربه ضربا مبرحا وطاف به وحبسه وكتب عبد الملك إلى هشام يلومه ويقول: إن سعيدا ليس عنده شقاق ولا نفاق ولا خلاف وقد كان ابن المسيب امتنع من بيعة ابن الزبير فضربه جابر بن الأسود عامل المدينة لابن الزبير ستين سوطا وكتب إليه ابن الزبير يلومه وقيل إن بيعة الوليد وسليمان كانت سنة أربع وثمانين والأول أصح وقيل قدم عبد العزيز على أخيه عبد الملك من مصر فلما فارقه وصاه عبد الملك فقال: أبسط بشرك وألن كنفك وآثر الرفق في الأمور فهو أبلغ لك وانظر حاجبك وليكن من خير أهلك فإنه وجهك ولسانك ولا يقفن أحد ببابك إلا أعلمك مكانه لتكون أنت الذي تأذن له أو ترده فإذا خرجت إلى مجلسك فابدأ جلساءك بالكلام يأنسوا بك وتثبت في قلوبهم محبتك وإذا انتهى إليك مشكل فاستظهر عليه بالمشورة فإنها تفتح مغاليق الأمور المبهمة واعلم أن لك نصف الرأي ولأخيك نصفه ولم يهلك امرؤ عن مشورة وإذا سخطت على أحد فأخر عقوبته فإنك على العقوبة بعد التوقف عنها أقدر منك على ردها بعد إصابتها.

.وفاة عبد الملك وبيعة الوليد.

ثم توفي عبد الملك منتصف شوال سنة ست وثمانين وأوصى إلى بنيه فقال: أوصيكم بتقوى الله فإنها أزين حلية وأحصن كهف ليعطف الكبير منكم على الصغير وانظروا مسلمة فاصدروا عن رأيه فإنه نابكم الذي عنه تفترون ولحيكم الذي عنه ترمون وأكرموا الحجاج فإنه الذي وطأ لكم المنابر ودوخ لكم البلاد وأذل لكم مغنى الأعداء وكونوا بني أم بررة لا تدب بينكم العقارب وكونا في الحرب أحرارا فإن القتال لا يقرب منية وكونوا للمعروف منارا فإن المعروف يبقى أجره وذخره وذكره وضعوامعروفكم عند ذوي الأحساب فإنه لصون له واشكر لما يؤتي إليهم منه وتعهدوا ذنوب أهل الذنوب فإن استقالوا فأقيلوا وإن عادوا فانتقموا ولما دفن عبد الملك قال الوليد: إنا لله وإنا إليه راجعون والله المستعان على مصيبتنا بموت أمير المؤمنين والحمد لله على ما أنعم علينا من الخلافة فكان أول من عزى نفسه وهنأه ثم قام عبد الله بن همام السامولي وهو يقول:
الله أعطاك التي لا فوقها ** وقد أراد الملحدون عوقها

عنك ويأبى الله إلا سوقها ** إليك حتى قلدوك طوقها

وبايعه ثم بايع الناس بعده وقيل إن الوليد صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس لا مقدم لما أخره الله ولا مؤخر لما قدمه الله وقد كان من قضاء الله وسابق علمه وما كتب على أنبيائه وحملة على أنبيائه وحملة عرشه الموت وقد صار إلى منازل الأبرار وولي هذه الأمة بالذي يحق لله عليه في الشدة على المذنب واللين لأهل الحق والفضل وإقامة ما أقام الله من منازل الإسلام وإعلائه من حج البيت وغزو الثغور وشن الغارة على أعداء الله فلم يكن عاجزا ولا مفرطا أيها الناس عليكم بالطاعة ولزوم الجماعة فإن الشيطان مع المنفرد أيها الناس من أبدى لنا ذات نفسه ضربنا الذي فهي عيناه ومن سكت مات بدائه ثم نزل.

.ولاية قتيبة بن مسلم خراسان وأخباره.

قدم قتيبة خراسان أميرا عن الحجاج سنة ستة وثمانين فعرض الجند وحث على الجهاد وسار غازيا وجعل على الحرب بمرو أياس بن عبد الله بن عمرو وعلى الخراج عثمان بن السعدي وتلقاه دهاقين البلخ والطالقان وساروا معه ولما عبر النهر تلقاه ملك الصغانيان بهداياه وكان ملك أخرون وشومان يسيء جواره فدعا إلى بلاده وسلمها إليه وسار قتيبة إلى أخرون وشومان وهو من طخارستان فصالحه ملكهما على فدية أداها إليه وقبضها ثم انصرف إلى مرو واستخلف على الجند أخاه صالح بن مسلم ففتح بعد رجوع قتيبة كاشان وأورشت من فرغانة ثم أخسيكت مدينة فرغانة القديمة وكان معه ابن يسار وأبلى في هذه الغزاة وقيل إن قتيبة قدم خراسان سنة خمس وثمانين وكان من ذلك السبي امرأة برمك وكان برمك على النوبهار فصارت لعبد الله بن مسلم أخي قتيبة فوقع عليها وعلقت منه بخالد ثم صالح أهل بلخ وأمر قتيبة برد السبي فألحق عبد الله به حملها ثم ردت إلى برمك وذكر أن ولد عبد الله بن مسلم إدعوه ورفعوا أمرهم إلى المهدي وهو بالري فقال بعض قرابتهم إنكم إن استلحقتموه لا بد لكم أن تزوجوه فتركوه ولما صالح قتيبة ملك شومان كتب إلى بترك طرخان صاحب باذغيس فيمن عنده من أسرى المسلمين هددهم فبعث بهم إليهم ثم كتب إليه يستقدمه على الأمان فخشي وتثاقل ثم قدم وصالح لأهل باذغيس على أن لا يدخلها قتيبة ثم غزا بيكنداد في مدائن بخارى إلى النهر سنة سبع وثمانين فلما نزل بهم استجاشوا بالصغد وبمن حولهم من الترك وساروا إليه في جموع عظيمة وأخذوا عليه الطرق فانقطعت الأخبار والرسل ما بينه وبين المسلمين شهرين ثم هزمهم بعض الأيام واثخن فيهم بالقتل والأسر وجاء إلى السور ليهدمه فسألوا الصلح فصالحهم واستعمل عليهم وسار عنهم غير بعيد فقتلوا العامل ومن معه فرجع إليهم وهدم سورهم وقتل المقاتلة وسبى الذرية وغنم من السلاح وآنية الذهب والفضة ما لم يصيبوا مثله ثم غزا سنة ثمان وثمانين بلد نومكثت فصالحوه وسار إلى رامسة فصالحوه أيضا فانصرف وزحف أيضا إليه الترك والصغد وأهل فرغانة في مائتي ألف وملكهم كوربعابور ابن أخت ملك الصين واعترضوا مقدمته وعليها أخوه عبد الرحمن فقاتلهم حتى جاء قتيبة وكان ينزل معه فأبلى مع المسلمين ثم انهزم الترك وجموعهم ورجع قتيبة إلى مرو ثم أمره الحجاج سنة تسع وثمانين وبخارى وملكها وردان خذاه فعبر النهر من زم ولقيه الصغد وأهل كش ونسف بالمفازة وقاتلوه فهزمهم ومضى إلى بخارى فنزل عن يمين وردان ولم يظفر منه بشيء ورجع إلى مرو.